عابدة الرحمن مكتبي مميز
عدد المساهمات : 160 تاريخ التسجيل : 13/08/2010 الموقع : جدة
| موضوع: إذا أراد الله بعبده الخيرعجل له بالعقوبةفي الدنيا،وإذا أراد بعبده الشرأمسك عنه بذنبه 25/08/10, 05:58 am | |
|
وعن أنس; أن رسول الله قال: ( إذا أراد الله بعبده الخير، عجل له بالعقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر، أمسك عنه بذنبه، حتى يوافي به يوم القيامة) (1) أخرجه الترمذي في (الزهد, باب ما جاء في الصبر على البلاء/7/123)، وقال: "حسن غريب", والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 154), والبغوي في "شرح السنة" (5/ 245). والحديث له شاهد من حديث عبد الله بن مغفل وابن عباس وعمار بن ياسر رضي الله عنهم; فهو صحيح بمجموع طرقه. وانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1220). __________________________________
قوله في حديث أنس: " إذا أراد الله بعبده الخير": الله يريد بعبده الخير والشر، ولكن الشر المراد لله تعالى ليس مرادا لذاته بدليل قول النبي ( : ( والشر ليس إليك ، ومن أراد الشر لذاته كان إليه، ولكن الله يريد الشر لحكمة وحينئذ يكون خيرا باعتبار ما يتضمنه من الحكمة.
قوله: " عجل له بالعقوبة في الدنيا": العقوبة: مؤاخذة المجرم بذنبه، وسميت بذلك; لأنها تعقب الذنب، ولكنها لا تقال إلا في المؤاخذة على الشر.
وقوله: "عجل له بالعقوبة في الدنيا": كان ذلك خيرا من تأخيرها للآخرة; لأنه يزول وينتهي، ولهذا قال النبي ( للمتلاعنين: ( إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة
وهناك خير أولى من ذلك وهو العفو عن الذنب، وهذا أعلى لأن الله إذا لم يعاقبه في الدنيا ولا في الآخرة فهذا هو الخير كله، ولكن الرسول ( جعل تعجيل العقوبة خيرا باعتبار أن تأخر العقوبة إلى الآخرة أشد كما قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}، [طـه: من الآية127].
والعقوبة أنواع كثيرة:
منها: ما يتعلق بالدين، وهي أشدها لأن العقوبات الحسية قد يتنبه لها الإنسان، أما هذه، فلا يتنبه لها إلا من وفقه الله، وذلك كما لو خفت المعصية في نظر العاصي فهذه عقوبة دينية تجعله يستهين بها، وكذلك التهاون بترك الواجب، وعدم الغيرة على حرمات الله، وعدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك من المصائب، ودليله قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ}، [المائدة: من الآية49].
ومنها: العقوبة بالنفس، وذلك كالأمراض العضوية والنفسية.
ومنها: العقوبة بالأهل كفقدانهم، أو أمراض تصيبهم.
ومنها: العقوبة بالمال; كنقصه أو تلفه وغير ذلك.
قوله: ( وإذا أراد بعبده الشر; أمسك عنه بذنبه: " أمسك عنه"; أي:ترك عقوبته.
والإمساك فعل من أفعال الله، وليس معناه تعطيل الله عن الفعل، بل هو لم يزل ولا يزال فعالا لما يريد، لكنه يمسك عن الفعل في شيء ما لحكمة بالغة; ففعله حكمة، وإمساكه حكمة. قوله: "حتى يوافي به يوم القيامة": أي: يوافيه الله به: أي: يجازيه به يوم القيامة، وهو الذي يقوم فيه الناس من قبورهم لله رب العالمين. وسمي بيوم القيامة لثلاثة أسباب:
1- قيام الناس من قبورهم; لقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}، [المطففين:6].
2- قيام الأشهاد; لقوله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}، [غافر:51].
3- قيام العدل; لقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}، [الأنبياء: من الآية47].
والغرض من سياق المؤلف لهذا الحديث: تسلية الإنسان إذا أصيب بالمصائب لئلا يجزع، فإن ذلك قد يكون خيرا، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فيحمد الله على أنه لم يؤخر عقوبته إلى الآخرة. وعلى فرض أن أحدا لم يأت بخطيئة وأصابته مصيبة; فنقول له: إنهذا من باب امتحان الإنسان على الصبر، ورفع درجاته باحتساب الأجر، لكن لا يجوز للإنسان إذا أصيب بمصيبة، وهو يري أنه لم يخطئ أن يقول: أنا لم أخطئ; فهذه تزكية،
فلو فرضنا أن أحدا لم يصب ذنبا وأصيب بمصيبة; فإن هذه المصيبة لا تلاقي ذنبا تكفره لكنها تلاقي قلبا تمحصه; فيبتلي الله الإنسان بالمصائب لينظر هل يصبر أو لا؟ ولهذا كان أخشى الناس لله ( وأتقاهم محمد صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك رجلان منا وذلك لينال أعلى درجات الصبر فينال مرتبة الصابرين على أعلى وجوهها، ولذلك شدد عليه ( عند النزع، ومع هذه الشدة كان ثابت القلب، ودخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر وهو يستاك، فأمده بصره (يعني: ينظر إليه)، فعرفت عائشة رضي الله عنها أنه يريد السواك، فقالت: آخذه لك؟ فأشار برأسه نعم. فأخذت السواك وقضمته وألانته للرسول ( فأعطته إياه، فاستن به، قالت عائشة: ما رأيته استن استنانا أحسن منه، ثم رفع يده وقال: ( في الرفيق الأعلى).
فانظر إلى هذا الثبات واليقين والصبر العظيم مع هذه الشدة العظيمة، كل هذا لأجل أن يصل الرسول ( أعلى درجات الصابرين، صبر لله، وصبر بالله، وصبر في الله حتى نال أعلى الدرجات.
فمن أصيب بمصيبة، فحدثته نفسه أن مصائبه أعظم من معائبه، فإنه يدل على ربه بعمله ويمن عليه به، فليحذر هذا.
ومن ذلك يتضح لنا أمران:
1- أن إصابة الإنسان بالمصائب تعتبر تكفيرا لسيئاته وتعجيلا للعقوبة في الدنيا، وهذا خير من تأخيرها له في الآخرة.
2- قد تكون المصائب أكبر من المعائب ليصل المرء بصبره أعلى درجات الصابرين، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد.
المصدر كتاب القول المفيد على التوحيد لسماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
| |
|